بقلم منه قنديل (باحثة دكتوراة في علم النفس)
كثيراً ما نرى في الأعمال الدرامية والسينمائية أن فتى كان صالحًا، حتى تعرف على رفاق السوء، و كيف أن فتاةٍ ما تربت في بيئةٍ صالحة وأسرةٍ محافظة وما لبثت أن تعرفت على هؤلاء الأصدقاء إلا وتغير وتبدل حالها.
ومما لاشك فيه أن هذه الأحداث تحدث في حياتنا أيضًا وليس فقط في دراما الأفلام و المسلسلات. فقد يكون أحدكم و هو يقرأ هذه الكلمات يفكر في قصص حدثت لأشخاص يعرفهم، أو يكون له ابن أو ابنه تغير نمط حياتهما بسبب أصدقاء السوء، وقد تكون أنت بذاتك قد مررت بتجربة مشابهة أثناء فترة المراهقة.
كيف تؤثر الصداقة السيئة على أبنائنا؟
الأصدقاء أحد أهم مكونات السلوك الشخصي، و هناك العديد من التأثيرات التي يقوم بها الأصدقاء تجاه أصدقائهم بشكل تلقائي.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم” المرء على دين خليله… فلينظر أحدكم من يُخالِل”……..
و قد يختلف تأثير أصدقاء السوء باختلاف المرحلة العمرية التي يمر بها أبنائنا، وباختلاف الجنس سواء كان شاب أو فتاة….. ولكن بشكل عام فإن أصدقاء السوء قد يؤثرون على أبنائنا بهذه الطرق:
١- يشجعونهم على التغيب عن المدرسة أو الجامعة وإهمال الدروس وقد يصل الأمر إلى التسرب من الدراسة بشكل كامل.
٢- يستغلونهم لتحقيق مصالحهم الشخصية مما قد يترتب عليه عواقب وخيمة.
٣- اكتساب الأخلاق السيئة والتي يترتب عليها المشكلات والانحرافات السلوكية (كالعنف، و السرقة، والتسول، و التحرش….. الخ).
٤- اللجوء إلى التدخين، و المخدرات وإقناعهم بأنها رمز للرجولة وأنها شيء ممتع ويستحق التجربة. فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن ٣٥٪ من متعاطي المخدرات أقدموا على هذه الخطوة مجاملةً لأصدقائهم، و أن ٨٤٪ من المدمنين بدأوا في تعاطي المخدرات من خلال توفيرها لهم أولاً من قبل أصدقائهم.
لماذا يقدم أبناؤنا على هذه الصداقات؟
جميعنا كآباء و أمهات ندرك خطورة الصداقة السيئة على أبنائنا، وقد يثير فضولنا وربما حيرتنا السؤال: لماذا تتمسك ابنتي بهذه الصديقة؟ أو لماذا يأبى ابني أن ينفك عن هذه الصحبة السيئة؟…..
دعونا في هذا المقال نلقي بعض الضوء على دوافع أبنائنا في اختيار الصداقات والإصرار على الإبقاء عليها:
١- الصداقات تترك لهم المجال للمناقشة الصريحة والحوار: فكثير من الأفكار التي يحملها أبنائنا لا يستطيعون التحدث بها معنا بحرية وصدق، وذلك لاعتقادهم الذي قد يحمل الصواب أو الخطأ أن هذه الآراء لن تلقى القبول لدينا. وربما يصل الأمر إلى الصراخ والعويل الذي قد يملئ المنزل أوقات النقاش.
٢- الصداقات توفر لهم التشجيع والدعم المتبادل: فكل منا يحتاج إلى من يدعمه في مواقفه وقراراته وليس من يشعره بأنه غير قادر على التصرف أو أن كل ما يقوله ويفعله يحتاج إلى التعديل والتبديل. فعندما يجد أبناؤنا ذلك الدعم الذي يزيد من ثقتهم بذاتهم قد يتمسكون به بشكل كبير، حتى و إن كان هذا الدعم يشمل القرارات والأفكار الخاطئة. ذلك لأنه يوفر لهم ما عجزنا نحن كآباء أن نشعرهم به، وهو أنهم قادرين على التفكير والتصرف.
٣- تناغم الهوايات والإهتمامات: حيث تعد الإهتمامات المشتركة من الأشياء الأساسية التي تجمع الأصدقاء. ففي إحدى الأبحاث التي قامت بنشرها مجلة لوس أنجلوس تايمز والتي قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة هارفرد على مجموعة كبيرة من طلاب الجامعة، وجدوا أن مجموعة كبيرة من هؤلاء الطلاب يميلون إلى تكوين الصداقات مع من يسكنون معهم في نفس الحي أو يدرسون معهم نفس التخصص، كما وجدوا أن الطلاب الذين يفضلون الموسيقى الكلاسيكية أو الجاز أنشأوا صداقات مع طلبة يعشقون نفس اللون من الموسيقى. و بشكل عام فإن الطلاب كانوا يميلون إلى مصادقة من يتقاسمون معهم في العديد من الأذواق والألوان الموسيقية والسينمائية.
حسنًا…. ولكن ما الحلول؟
ينصح علماء النفس بمجموعة من الإرشادات التي إذا قام الوالدين باتباعها تقلل بشكل كبير من احتمال انضمام الأبناء إلى أصدقاء السوء، وتساعدهم لكي يبتعدوا عنهم إذا ما وجدوا في حياتهم بالفعل:
١- المناقشة الحرة والصريحة: و هي السبب الرئيس الذي يقرب الأبناء من أصدقائهم، فلابد أن تكون هي أيضاً أولى الحلول عندما نريد التقرب من أبنائنا. يجب أن نقدر مشاعر أبنائنا و نفهمهم، و أن نتقبل آرائهم مهما كانت غير متوافقة مع آرائنا، والمناقشة معهم بالهدوء الذي يجعلهم يناقشوننا و يتقبلون آرائنا وأفكارنا…… و بالنجاح في التقرب لهم، نستطيع تقديم النصائح حول أهمية مصاحبة الأخيار، والتشجيع على تجنب أصدقاء السوء.
٢- أن نكون السند و العون لأبنائنا: يجب أن نعطهم الحرية، والثقة الكافية لاتخاذ القرارات التي تخص حياتهم، وتشجيعهم عندما تكون القرارات صحيحة، وتقبل تعثرهم عندما تكون القرارات غير صائبة، واحترام مشاعرهم ومعاناتهم مهما بدت لنا أنها غير منطقية.
٣- مشاركتهم اهتماماتهم وهواياتهم: يجب عدم الاستخفاف بها، فإذا كانت ابنتكِ تحب الرسم شجعيها على ذلك، و شاركيها وقدمي دعمك لأي مبادرة منها لتنمية هذه الموهبة. و إذا كان ابنك يفضل مشاهدة مباريات كرة القدم فشاهدها معه، واقترح عليه أن يبدأ في ممارستها بدلًا من المشاهدة فقط، واذهب معه وتابع تقدمه وشجعة بكل جوارحك، فإن ذلك من شأنه أن يجعلك الصديق المقرب لابنك المراهق ويقلل بشكل كبير من رغبته في إيجاد من يشاركه اهتماماته.
٤- اصطحب ابنك/ ابنتك معك عند مجالستك لأصدقائك: فقد أثبتت الأبحاث أن الأبناء يتعلمون بالتقليد أكثر من الكلام. لذلك دعوهم يشاهدون كيف تكون الصداقة الجيدة وكونوا قدوةً لهم. كما أن التعامل مع من هم أكبر سنًا “في ظل وجود الرقابة” يكسبهم الخبرات الحياتية التي تزيد من ثقتهم بذاتهم وتقلل من احتمالية وقوعهم ضحايا لاستغلال أصدقاء السوء.
٥- تعرفوا على أصدقاء أبنائكم وعائلاتهم: حتى تتمكنوا من ملاحظة أصدقاء السوء ومساعدة الأبناء على الابتعاد عنهم.
٦- إشغال أوقات فراغهم بما هو مفيد: ساعدوهم في الانشغال بالأشياء المفيدة المحببة لهم. فقد أثبتت الدراسات أن الفراغ والعطالة عن العمل يدفعان إلى الانحراف، وبالتالي إلى ملء الوقت بالمخدرات والسلوك المنحرف.
٧- تشجيعهم على ممارسة الرياضة بشكل منتظم: فبالإضافة إلى الفوائد الجسدية والعقلية التي لاتعد ولا تحصى للرياضة فإن من شأنها أيضاً أن تزيد من ثقة أبنائنا بأنفسهم، وتشعرهم بالقدرة على الإنجاز، وبالتالي لن يكونوا في حاجة للشعور بالتقدير لذواتهم من الأصدقاء، فيصبحوا عرضة للاستغلال.
٨- تشجيعهم على الالتحاق بالأعمال التطوعية: “خاصة في فترة الأجازات الصيفية” ليتواجدوا ضمن مجموعة صالحة من الأصدقاء والتي تشبع الحاجة إلى النمو الاجتماعي والنفسي السليم.
وفي النهاية احرصوا على أن تعلموا أبنائكم أن يستشعروا مراقبة الله لهم في السر والعلن، وعلى أن يكون هناك جلسة بشكل دوري مع أبنائكم تتحدثون بها عن ما تواجهونه من مواقف مضحكة ومحزنة أيضاً، ولتكن المبادرة منكم. وقوموا بالتعبير عن ما تشعرون به وعما تفكرون فيه حتى تكونوا قدوة لأبنائكم……….
حفظ الله أبنائنا جميعًا وعافانا وإياكم من أصدقاء السوء.
اضف تعليق