بقلم مريم عاشور
هل تفكر أو تفكرين بالعمل في مؤسسة غير ربحية؟ أذكر لكم في هذا المقال بعض المعلومات عن المؤسسات الأهلية الغير ربحية (Non-Governmental Organizations) أو (NGOs) من واقع تجربتي في هذا المجال.
أنا شابة حاصلة على درجة بكالوريس في اللغة الإنجليزية والترجمة. فور تخرجي من الجامعة التحقت بإحدى المؤسسات الأهلية المحلية للعمل والانضمام إلى فريق المؤسسة. تحديداَ في دائرة المشاريع وتجنيد الأموال. وبعد أن مضى على التحاقي بالمؤسسة 6 أشهر، قررت التوجه لدراسة دبلوم إدراة المشاريع لدى دائرة التمويل الصغير التابعة للأونروا لما رأيته من المتعة في الإدارة بشكل عام وبإدراة المشاريع وتجنيد الأموال بشكل خاص.
في الحقيقة، في بداية انضمامي للمؤسسة لم يكن لدي أيٍ من الخبرة حول المؤسسات الأهلية والمعروفة ب NGOs أو المؤسسات غير الهادفة للربح. ولكن ما يعرف عن هذه المؤسسات أنها تقدم مجموعة واسعة من الخدمات لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع دون أن يكون الدافع الرئيسي لها هو الربح. يُنظر إلى هذه المؤسسات على أنها الحلقة الواصلة بين المؤسسات الحكومية والخاصة. لذلك فلا يطلق عليها بالمؤسسات المجتمعية أو الربحية. ولكن قد يطلق البعض عليها مسمى “مؤسسات القطاع الثالث.”
ومن المتعارف عليه أن جميع المؤسسات الأهلية غير الربحية تمتلك رؤية ما، والتي من مفهوم أخر تُسمى حلم المؤسسة، حيث تكون جميع أهدافها الاستراتيجية موجهة نحو تحقيق هذا الحلم. وينبثق عن تلك الأهداف برامج استراتيجية متمثلة في مجموعة من المشاريع التي تندرج تحتها العديد من الأنشطة التي تخدم فئات المؤسسة المستهدفة من المجتمع الذي تتعامل معه. وعادةَ ما تصنف هذه الأنشطة تحت خدمات غير ربحية صحية وتعليمية، توعوية ، فنية، ثقافية، إغاثية، وغيرها.
وعند الحديث عن مميزات التي يمكن أن يمنحها لك العمل والانضمام لمؤسسة أهلية غير ربحية كعضو من أعضاء فريق عملها: ستجد نفسك قادر على اكتساب العديد من المهارات الإدارية خاصة كخريج جديد يتعرف على بيئة العمل الحقيقة بعيدا عن ما كان بين سطور كتبه الجامعية حول سوق العمل، كالتعرف على التسلسل الوظيفي، التعامل مع ضغوطات العمل، رفع التقارير، العمل بروح الفريق. لاسيما أنك ستجد نفسك قادر على إقامة العديد من العلاقات مع العديد من المؤسسات المماثلة لطبيعة عمل المؤسسة التي تنتمي إليها، بالطبع لا أرمي هنا إلى العلاقات التي تقود إلى المحسوبية و غيرها، و لكن ما أقصده تماماً هو هو قدرتك على الانخراط مع فرق العمل المخضرمين في هذا المجال. فربما أنسب وصف يمكن إطلاقه على فهم طبيعة عمل المؤسسات بأنه السهل الممتنع. حيث من أسمى ميزاته أنه يمنحك فرصة أكبر لاكتشاف ما تبرع به.
وبالنسبة لي، كخريجة لغة إنجليزية وترجمة، العمل في مؤسسة أهلية غير ربحية، كان له دور كبير في منحي فرصة أكبر كي أمارس اللغة الثانية التي أتقنها إلى جانب لغتي الأم وهي اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة. خاصة أن ما تتميزبه هذه المؤسسات أن لديك احتمالية كبيرة أن تتعامل مع غير المتحدثين بالعربية من فرق عمل المؤسسات الأخرى كشركاء أو كممولين. وأما بالنسبة للأمر الأكثر أهمية بالنسبة لي هو تدريبي على كيفية التعامل مع ضغوطات العمل وتسخير الوقت بذكاء لتخطيها. لذلك فإدارة الوقت وكسبه في صالحك من المهارات الرائعة جداَ التي يمكن للفرد إكتسابها والتي أيضاً ليس من السهل إكتسابها إلى جانب اكتساب مهارة البحث على الإنترنت التي تعتبر من المهارات الأساسية سواء كنت تعمل في مجال إدراي أوغيره.
ولابد أنك تدرك عزيزي القارئ أن هناك مقابل لكل شيء تكتسبه، و كذلك الأمر في العمل لدى المؤسسات الأهلية غير الربحية، حيث تكون أكثر عرضة للاستغلال. فكلما وجدت تلك المؤسسة مهارة تبرع بها أنت تسعى دائماً أن تحظى بها لنفسها دون أي تقدير سواء كان مادياً أو معنوياً.
و في حقيقة الأمر أنه من القليل بل من النادر أن تجد مؤسسة أو شركة تسعى بيئتها العملية للمصلحة العامة. و لذلك يتوجب عليك دوماً التصرف بذكاء و فطنة. ومن المؤسف أن المؤسسات الأهلية غير الربحية تعتبر من أكثر القطاعات التي ممكن أن تتصف بالاحتيال والاختلاس. فمن المعروف أن القوة الدافعة وراء هذه المؤسسات هو التمويل سواء كان تمويلاً خارجياً أو داخلياً. فتقوم المؤسسات الفاسدة منها بتزوير بعض بنود ميزانية مشاريعها لكسبها لصالحها ولاختلاس الأموال منها وإعطاء تلك الأموال للجهات أو الأشخاص المعنيون بهم والذي نسميه “بالمحسوبية.”
ومن الجدير بالذكر أنه من الصعب وصف ما ستؤول إليه المؤسسة عندما يكون على رأسها إدارة سيئة و غير كفؤ. حيث يكون ذلك نتاج عدم وجود سياسة واضحة للنظام الداخلي الذي يحكم المؤسسة وطاقمها من أدناهم درجة إلى أعلاهم درجة. واستخفاف إدارة المؤسسة بقدرة طاقم عملها وعدم استثماره بالشكل الأفضل. و أيضاً عدم اكتراث المؤسسات بإشراك طاقم عملها في التخطيط الاستراتيجي باعتبارهم غير قادرين على الوصول لهذا المستوى من التخطيط مما يقود المؤسسة إلى الفشل والاضمحلال شيئاً فشيئاً.
قرأت ذات مرة مقولة تقول “أن الادارة السيئة وعدم التقدير هو ما يدفع الموظف إلى ترك العمل، ليس العوائد المادية أو المكافأت التي تزودها المؤسسة في المقابل!
وكما ذكرت سابقاً أنني عملت كمنسق دائرة المشاريع وتجنيد الأموال، توجب علي القيام بمهام يومية، كتفقد رسائل بريدي الإلكتروني والرد عليها وتنفيذ ما ذُكر فيها من مهام. وكذلك التواصل مع شركاء المؤسسة فيما يتعلق بتنظيم بعض اللقاءات والاجتماعات مع الدائرة. وبالإضافة إلى متابعة سير فريق عمل الدائرة ومساعدتهم فيما يواجهون من صعوبات. ولا يقتصر الأمرعلى متابعة سير العمل وتنفيذ المهام و حسب، بل يتعدى إلى رفع التقارير اليومية لنائب رئيس مجلس الإدراة لإطلاعه على مجريات عمل الدائرة. وفي حال كان هناك مشروعاً يتطلب الكتابة، توجب علي مناقشة الأفكار المقترحة مع مجلس الإدراة لترشيح أفضل فكرة لكتابة مقترح المشروع بناءً عليها. مما يتوجب علي أيضاَ توزيع المهام على الفريق والتشاور معهم فيما يتعلق بجزئيات المشروع.
الفكرة التي أود إيصالها إليك هي أنه لا داعى للأسف على أي فرصة عمل حظيت بها سواء كانت ذات بيئة إدارية غير محفزة للعمل أو كانت على عكس ذلك. لأن كل هذه الفرص والتجارب تصنع منك الشخص الذي ستصبح عليه لاحقاَ. ما أنصحك به هو أن تنتهز الفرص حتى ولم تكن ترتقي إلى توقعاتك. فالمسيرة المهنية رحلة ولكل مرحلة من تلك الرحلة لها مميزاتها أو عيوبها. وهذا ما لا تخلو منه أية بيئة عمل. والذي يعتبر خير من القعود والكسل الذي لن يجلب لك شيئاَ سوى الذل والمهانة.
اضف تعليق