بقلم: منار علي مكارم
في بلدي أسيوط بصعيد مصر حيث العادات والتقاليد الصارمة وحيث أمي التي لا تطيق فراقي عنها ولو ليوم واحد لأني وحيدتها، وحيث صديقتي التي نقضي أوقاتنا معًا، تخرجت من الجامعة بتقدير جيد مرتفع، وهو لو تعلمون تقدير عظيم لا يحصل عليه الكثيرون خصوصاً كلية العلوم في أسيوط المعروفة بصعوبتها وكثرة مواد الدراسة….
تخرجت حيث لا أرى وضوحًا لمستقبلي، فقط فراغ لا نهاية له بعد أن كنت أقضي أغلب وقتي في الجامعة وبين كتبي أصبحت تائهة.
بداية الطريق
بدأت ابحث عن عمل فكانت المفاجأة التي كنت لا أعلمها كل الشركات والمعامل تطلب خبرة في المجال.
وكيف لي أن امتلك الخبرة وأنا مازلت خريجة حديثة (fresh graduate)، تذكرت بعض الدورات التي كنت أحضرها أثناء السنة الأخيرة بالجامعة، وبدأت أجهز سيرتي الذاتية (CV) مستعينة بدوراتي وأيضًا تدريب السنة الأخيرة الذي عادةً يكون في مستشفيات أو شركات.
ضوء في نهاية الطريق
اكتملت سيرتي الذاتية وكانت جيدة وكانت هناك نقطة في صالحي وهي أنني خريجة قسم مزدوج وهو الكيمياء والميكروبيولوجي، وذلك يتيح لي العمل في أماكن كثيرة منها شركات الأدوية، ولكن التنافس شديد وأعداد الخريجيين كثيرة، وكان عندي أمل لا أعرف ما مصدره، أحياناً أتذكر أنه بسبب دعوات أمي.
بعد البحث الطويل كان المجال المتاح هو مندوب لشركات أدوية وهو جيد بالرغم من أنه متعب جداً خصوصاً لي كبنت لأنه يتطلب الانتقال الكثير، حصلت على عرض للوظيفة و وافقت…
وكانت هذه البداية لبناء سيرتي الذاتية، وأثناء العمل كمندوبة كنت ابحث -فيما تبقى لي من وقت- مع صديقتي في معامل التحاليل الطبية عن وظيفة أحلامي، وأخيراً وجدتها.
تجربتي في الانتقال من مصر إلى السعودية
كان هناك معمل قريب من منطقتي يحتاج إلى كيميائية مساعدة، وكانت فرصة جيدة لي فقبلت وبدأت أتعلم وأمارس حتى أصبحت متمكنة.
أثناء عملي على إحدى العينات، ذكرت زميلتي في العمل بأن زميلهم الذي أخذت أنا مكانه قد سافر للسعودية عن طريق شركة تسفير عمالة كان قد قرأ عنها في إحدى الصحف…
فقلت في نفسي: ولما لا أفعل أنا ذلك إن كان متاح لي؟!
وفعلا بدأت بمتابعة إعلانات الصحف….
رأيت إعلاناً و اتصلت بالشركة وقد تطابقت علي كل الشروط المطلوبة، وبدأت بتجهيز أوراقي وأنا افكر هل أفعلها فعلا وأسافر وحدي؟ كيف أفعل هذا وأنا لم أغادر بلدي من قبل وحدي أبداً؟ كيف اترك أمي وكيف ستتأثر هي بذلك؟ إني خائفة على نفسي وعليها.
كنت أشجع نفسي: هيا ” إذا عزمت فتوكل! “
وفعلاً سافرت ووصلت إلى الرياض حيث مكان المستوصف الذي سيكون مقر عملي بعد ذلك لمدة عام كامل…
بمجرد وصولي التقيت صاحب العمل الذي عرفني بزملائي وهم من جنسيات عديدة، وأثناء ذلك كنت اسأل نفسي:
كيف سأتكلم معهم؟
هل سيفهموني وأفهمهم؟
وأنا في حالتي هذه تحدث إلي صاحب العمل أن هؤلاء الفتيات من الجنسية الفلبينية…. و هم زميلاتي في السكن!
الصعوبات التي واجهتني في الحياة في السعودية
كل الحياة حولي تغيرت….
أصبح روتينها بطيئاً ومملاً ومتشابهاً….
من العمل إلى السكن ثم إلى العمل وهكذا… ويوم في الأسبوع نذهب إلى السوق لقضاء احتياجاتنا..
إلى جانب زميلات السكن اللاتي يشعرن أني غريبة عنهم ودخيلة بينهم، وأيضاً اختلاف اللسان والعادات وحتى الأكل والاهتمامات…
والذي زاد من تحزبهم حولي أن مدير المعمل أوكل لي المراجعة على عملهم!
كنت أنام وروحي هناك في مصر عند أمي وأخبر نفسي لن أعاود هذا مرة أخرى سينتهي عقدي وتنتهي أيامي هنا.
الإيجابيات والسلبيات من السفر وحدي
لنبدأ بالإيجابيات….
١- أصبحت أجيد الطبخ!
٢- أصبحت متمكنة أكثر من تخصصي، وتدربت على أجهزة أكثر حداثة.
٣- تعرفت على ثقافات أخرى… تحدثت مع أناس كنت أراهم فقط في الأخبار!
٤- أصبحت أكثر اعتماداً على نفسي في كل حاجاتي.
٥- كونت صداقات (قليلة ولكنها جديدة).
أما السلبيات:
١- فأولها الألم الذي عشته بسبب بعدي عن أمي، وإحساسي بأنانيتي لتفكيري بنفسي بينما هي اختارت ما يسعدني عن نفسها.
٢- صعوبة تأقلمي مع المكان والناس إلى جانب صعوبة فهمي للهجة في البداية.
٣- ولا أنسي اختلاف طريقة العمل والأجهزة عن التي تدربت عليها في مصر.
٤- خسرت المزيد من وزني القليل أصلاً.
٥- افتقدت جو مصر وخروجي مع صديقتي ليلاً.
نصائح من واقع تجربتي
وهو الجزء الأهم في حكايتي….
١- لا تضيع فترة الجامعة في الدراسة فقط بل اجعل جزء منها في التدريب على مهنة المستقبل أو تجربة أشياء عديدة حتى يصبح عندك سيرة ذاتية دسمة -كما يقولون- بعد التخرج، و لكي تتمكن من اختيار المجال الذي تحبه في حياتك العملية بعد الانتهاء من الدراسة.
٢- ولا تجعل دراستك العملية تأخذك من حياتك الاجتماعية لأنها ذكريات نعيش عليها فيما بعد…
٣- تعلم أن تنفتح على الثقافات الأخرى مع الحفاظ على هويتك….
٤- كأنثى لا يجب أن تكوني قوية جداً لأنك فعلاً مثل البلور من الداخل.
وأخيراً لا شيء في الكون يساوي حضن أمي.
اضف تعليق