بقلم: مجد الدين صفايا
كل شيء بدَأَ بعد قراءتي لكتاب يدور في فلك فكرة واحدة (امتلك مشروعك الخاص)، أعجبت بالفكرة وقررت السعي باتجاهها ولكن بدون ارتكاب حماقة الاستقالة من وظيفيتي لمجرد حماسي للفكرة، فبدأت البحث والاطلاع في السوق المحلي ومناقشة كل من أعرفه عن المشاريع الصغيرة ذات الأرباح الجيدة….
أيها أفضل؟
وما هو الرائج؟
وكان خطئي دائماً التفكير بالرائج…. والسبب عدم معرفتي في تفاصيل أي مهنة….
شهر كامل على نفس المنوال… كل يوم أفكر بمشروع جديد وفي نهاية اليوم أضبط المنبه للاستيقاظ والذهاب للعمل ناسياً فكرة امتلاك مشروع…
وبالصدفة اجتمعت مع أحد الأصدقاء يحكي لي عن رحلته لبيروت، ومن بين القصص التي استوقفتني أنه اشترى قطعة “وايفل” (أو “Waffle”) من كشك صغير مختص بهذا الصنف ومن هنا بدأت الفكرة… لماذا لا يكون هناك محل صغير لبيع أصناف الحلويات التي تدخل الشوكولاه السائلة في صناعتها؟ فلم تكن هذه الفكرة رائجة في مدينتي بسبب الحرب الداخلية التي دخلت في عامها الخامسة آنذاك.
وللأمانة فكرة امتلاك مشروع خاص جميلة جداً وبسيطة في الظاهر، ومن منا لا يتمنى ذلك!
ولكن في حقيقة الأمر يحتاج الكثير من التعلم والصبر والمرونة ومهارات كثيرة سأطلعكم عليها بتجربتي التي استمرت لمدة عامين.
أهمية المال في سلم الأولويات لأي مشروع
عند البدء بالتخطيط والتنسيق لمشروعي وهو محل لبيع حلويات الشوكولاه “وايفل، كريب، بان كيك، ………وغيرها” كان المال بالنسبة لي هو حجر الأساس…
ولكن شيئاً فشيئاً توضح لي أن المال لا يكاد يصل للمرتبة الثالثة أو الرابعة من هرم أولويات إنشاء أي مشروع، فالخبرات والمهارات والتخطيط الصحيح هو الأساس.
وأيقنت هذه الفكرة تماماً عندما استطعت تحويل مستلزمات المشروع من 12000$ إلى ما يقارب 2500$ فقط! وذلك بالاستغناء عن بعض الآلات والبحث عن دكان صغير عوضاً عن صالة، وتحويل الفكرة للبيع الخارجي بدلاً من تقديم الطلبات داخلياً…
وفعلاً استطعت من إثبات فاعلية كل هذه النقاط وتحقيق نسبة أرباح جيدة جداً فتكاليفي كانت قليلة جداً.
دراسة المشروع واختيار الاسم والشعار الأفضل
قابلت العديد من المختصين في المهنة، ودائماً ما كنت أكتب ملاحظاتهم وأدققها واستعنت بأحدهم مقابل مبلغ من المال لقاء مساعدتي في إنشاء المشروع واختيار أفضل الموظفين، ومما شدد عليه دائما أهمية كلاً من:
١- المهارات: و من أهمها المهارات:
أ. تحضير الأصناف هي مهارة بحد ذاتها.
ب. التزيين أو طريقة التقديم.
ج. معرفة المقادير وأنواع المواد.
٢- الخبرات: فالشخص الخبير سيوفر علي مراحل كثيرة مر بها من حيث التحضيرات والتجهيزات واختيار الموظفين لذلك عقدت الاتفاق مع أحدهم لمساعدتي في ذلك لقاء مبلغ مالي.
٣- التسويق الناجح: وهو أساس نجاح أي مشروع.
من نقاط قوة هذا المشروع أنه يلبي كل الفئات والأعمار، ولكي تصل لجميع الزبائن تحتاج لاسم بسيط وسهل الحفظ ومحبب… وبهذه الخطوة بالتحديد أنصحك بأخذ المشورة من كل شخص تعرفه على هذا الكوكب!
فاختيار الاسم لا يقل أهمية عن أي خطوة من خطوات التنفيذ فهو الهوية التي ستلازم منتجاتك خلال مسيرة مشروعك دائماً، لذلك اجمع أكبر قدر ممكن من الاقتراحات واختر الاسم الذي يلامس قلبك كزبون ولا تقلل إطلاقاً من أهمية اختيار الاسم.
بالنسبة لي كان الاسم الذي اخترته من بين الأسماء المقترحة هو “غوفي” (بندق صديق ميكي ماوس) وهو شخصية كرتونية محبوبة واسمه سهل وقريب من منتجي الأساسي “غوفر” الاسم الثاني “للوايفل”.
أما الشعار فهو “صار للشوكولاه بيت” باللهجة العامية، والطريف بالأمر أن الشعار حقق شعبية أكثر من اسم المحل نفسه لدرجة أن البعض بات يسمي المحل “بيت الشوكولاه” ولم اعترض على ذلك فالإيحاء المراد إيصاله لزبائن قد وصل بأننا بيت لأفضل أنواع الشوكولاه.
الأخطاء التي وقعت بها ونصائح لتجنبها
١- القروض:
احذر من استلاف قرض في بداية مشوارك، فعند بدايتي استلفت من أحد أصدقائي مبلغ وقدره 1000$ فلم أكن أملك السيولة الكافية للمشروع، الأمر الذي شكل لي ضغطاً كبيراً فالبداية لم تكن كما تخيلت، كانت خجولة ولم أحقق نسبة الأرباح التي توقعتها لعدم خبرتي الكافية في مجارات السوق والتسويق الصحيح للمنتجات فكنت دائماً في ضيق بين مصروفي الشخصي وبين سداد أقساط القرض وبين مصاريف المشروع.
لذلك في حال احتجت لدعم مالي إما أن تسحب قرض تمويل مشروع صغير حيث يتم البدء بسداد القرض بعد ٦ شهور من بدايته أو أن يكون قرضاً طويل الأمد ذو أقساط بسيطة سهلة السداد.
٢- التراخيص المطلوبة:
اسأل عن كل الأوراق والتراخيص المطلوبة قبل البدء، ولا تقلل من أهميتها فقد يسبب سهوك عن ترخيص واحد أو ورقة واحدة ضرر و غرامة مالية غير متوقعة، وهذا ما وقعت فيه فلم أعلم أن لتصريف المياه رخصة مما أدى لدفعي غرامة مالية تعادل قيمة الترخيص ٥ أضعاف.
٣- عدم الثقة التامة بالموردين والبحث الدائم عن بديل:
من أهم الأخطاء التي ارتكبتها في البداية ثقتي المفرطة بمورد واحد مما مكنه من التلاعب بالأسعار وعدم تقديم عروض إضافية لقبولي التام بمنتجاته وعدم خبرتي بجودة المواد والتفريق بينها، فمن المفترض أن يكون لديك عدد من الموردين مما يجعلك محور منافسة بينهم والأهم من ذلك حصولك دائماً على العرض الأفضل إما من حيث السعر أو الجودة أو الخدمة المقدمة (كخدمة التوصيل أو التبديل في حال سوء نوع البضاعة أو ضررها).
٤- تعلم أن تؤدي دور أي موظف جيداً:
في البداية دائماً ما كنت الحلقة الأضعف بالنسبة للعاملين، فهم أصحاب المعرفة والخبرة ولو تغيب أحدهم يوماً واحداً فقط سبب لي ضرراً كبيراً، ومن الممكن حتى الاعتذار عن تقديم بعض الأصناف التي قد تكون ضمن خطة الترويج والتسويق لهذا الأسبوع، فبدأت بتعلم المقادير لكل صنف وطريقة تحضيره وتزيينه وتقديمه الأمر الذي جعل مني الورقة الرابحة للمشروع وساعدني في الإبداع وابتكار أصناف جديدة تدر علي الأرباح.
٥- تعامل مع المحترفين في التسويق:
من أكبر أخطائي اعتمادي على نفسي فقط في التسويق، فكنت أصور الأصناف وأنسق الصور وأُدير صفحات التواصل والعروض الأسبوعية، والسبب ضعف ميزانيتي في البداية وتصوري أن المهمة سهلة وبسيطة ولكن في واقع الأمر يحتاج التسويق الناجح لشخص محترف فالتسويق أساس المشروع فمهما كانت أصنافك مميزة إن لم تصل بالشكل الأفضل للعملاء فلن تحقق ما ترغب فيه، لذلك أنصحك بشدة عين المختصين بالتسويق منذ البداية.
٦- التزيين وطريقة التقديم:
للشكل دور كبيراً جداً في الحلويات وهو ما أكده لي سلوك الزبائن فكثيراً ما كنت اقترح عليهم صنف ما فيرفضوه (لان شكله غير لذيذ). لذلك يفضل أن توظف شخصاً خبيراً بتنسيق الأطباق وطريقة تقديمها وقبل توظيفه قدم له صنف واطلب منه تزينه وتقديمه.
٧- خذ الوقت الكافي في التخطيط:
إياك أن تبدأ وأنت غير مستعد بشكل كامل ولو اضطررت لتأخير مشروعك سنة كاملة، فمن الأخطاء التي وقعت بها بسبب حماسي الزائد تحديد العقار ودفع الإيجار لعام كامل وأنا لم احدد المورد الأفضل ولم اشتري الآلات الأساسية مثل “ماكينة الوايفل والكريب” و”خفاق البيض والعجين” و”الثلاجات” الأمر الذي احتاج شهر كامل ، فالبحث عن الخيار الأفضل بأنسب سعر يحتاج لوقت فقد تستغرب لو قلت لكل أن شراء الأطباق و الأكواب البلاستيكية ذات الأشكال المميزة احتاج مني أسبوع كامل.
٨- كن كريماً مع زبائنك:
كن كريم وقدم خدمة خاصة للأطفال وفكر دائماً كيف تمتلك فئة الأطفال بالتحديد، ففي حال أحب الطفل أصنافك، أهنئك فالأسرة بالكامل أصبحت من روادك.
٩- كن سريع التطور:
عليك في كل أسبوع أن تحدد الصنف الأساسي لهذا الأسبوع، قدمه بشكل مختلف وحسن من المذاق دائماً جرب أصناف جديدة وقم بتذوقها أنت والفريق وفي حال لاقت استحسان قدمها كصنف جديد فسوق المنافسة في الحلويات سهل وبسيط يحتاج فقط لمسة من الإبداع.
هل هذا المشروع مربح؟
رغم تعثري في البداية والتكاليف الإضافية والخسائر التي تكبدتها إلا أن هذا المشروع مربح جداً فبعض الأصناف تصل قيمة أرباحها إلى 120%، فالنقود التي تتقاضاها هي ثمن للجودة والنكهة والتنسيق بين المواد الأولية وأيضاً القيمة التي تقدمها للعملاء، لأن المكونات الأساسية بسيطة ومنخفضة الثمن والتكاليف وبسيطة التحضير ولكن الإبداع في التنسيق بين كل هذه المواد وتقديمها بأفضل شكل هو ما يحدد قيمة أصنافك.
ومن مزاياها أيضاً أن أرباحها خفية فإضافة عنصر بسيط جداً مع طريقة تقديم مميزة من الممكن أن ترفع سعر المنتج وتعود عليك بأرباح أكبر.
تجربتي في افتتاح محل لبيع حلويات الشوكولاه “الوايفل”هذه تجربتي وسعيد جداً بها فبعيداً عن المال اكتسبت منها خبرة في التعاملات المالية والتسويق وإعداد الخطط الناجحة وتعاملي مع العملاء والموظفين وكل ما تحدثت عنه أتوقع أنه ينطبق على أي مشروع مشابه ومن الممكن أيضاً أن تختلف من شخص لآخر أو من بلد لبلد.
و أتمنى لكم التوفيق و النجاح في مشاريعكم…
اضف تعليق