بقلم: اسلام سائد
الحياة تجارب، و التجارب حياة مكتملة و هي تقينا من ان نكون كالذين ضلوا عن الطريق و ظنوا انهم يحسنون صنعا ، احببت ان اشارك تجربتي بالعمل كبائعة تجزئة في أحد محلات الملابس لمدة عامين لكل الراغبين بخوض هذه التجربة .
من أنا ؟
انا اسلام طالبة جامعية في السنة الرابعة حاليا ، ادرس تخصص الطب البشري في احد جامعات الاردن و اعمل حاليا ككاتبة بالإضافة لدراستي ، اجيد التحدث بالإنجليزية و الفرنسية قليلا بالإضافة للعربية ، في العام الماضي انهيت تجربة العمل كبائعة تجزئة في احد محال الملابس في مدينة عمّان و التي استمرت ما يقارب السنتين.
تجربتي كبائعة تجزئة
بعد أن تخرجت من المرحلة الثانوية بنجاح و حصلت على مجموع جيد كان كاف لأدخل كليتي التي لطالما حلمت بها، لم تكن الحياة بالوردية التي تخيلتها دائماً، فما لبث أن لاحظت بعد أول فصل أن تكاليف دراستي تثقل على والدي. أمي ربة منزل و أبي يعمل كفني كهرباء بالإضافة إلى راتبه التقاعدي و حالنا ميسورة نوعا ما، و لكن تكاليف جامعتي كبيرة و تشكل حملا ثقيلا عليهما و لو لم يشعراني بذلك، فلم أسمع منهما يوما إلا الفخر بطبيبتهما المستقبلية.
قررت أن أساعد والدي فليس من المنصف أن يحتملا العبء وحدهما ، و بدأت البحث عن عمل في العطلة بعد الفصل الأول . لم يكن الأمر بتلك السهولة خصوصاً و أنني لم أخبر أحداً عن بحثي عن العمل ، و لكن بفضل الله و بعد أسبوع واحد وجدت وظيفة شاغرة كبائعة في أحد محال الملابس و لم يمضي يومان حتى بدأت أيام عملي، و ذلك بعد نقاشات موسعة مع والدي بأن هذا لن يؤثر على دراستي و أنني سأعمل فقط لمدة شهر واحد.
بدأت أول يوم بالعمل بحماس جنوني، فأنا أحب الملابس و دائماً ما كانت صديقاتي تطلبن مساعدتي للتسوق، لكن و مع الأسف انتهى اليوم بخيبات كبيرة فلم أتمكن من بيع أكثر من قطعتين ، و شعرت بنظرة المدير لي بأنه سيتغاضى عن هذا لأني جديدة و حسب، و مضى الأسبوع الأول على هذا الحال.
في يوم العطلة الوحيد و هو يوم الجمعة ، بدأت بالتفكير بنتائج عملي الكارثية و كيف سأعوض عنها الأسبوع المقبل ، لقد لاحظت أن طريقة عملي مع الزبائن هي ما تجعلهم ينفرون مني مباشرة، فأنا امقت مدح الاشياء التي لا تعجبني و لا أحبذ الحديث كثيرا مع الغرباء، و بالمناسبة إن المنافسة في أسواق الملابس شرسة جداً و إذا لم يعجب المشتري السعر (أو البائع) فالخيارات الأخرى أمامه كبيرة.
أدركت أن تواصلي مع الزبائن كان هو المشكلة الأكبر، و قررت أن أتدرب على معاملة كل زبون كما كنت أفعل مع زميلاتي.
و بالفعل في يوم السبت التالي لم أبع كل ما في المحل بكل تأكيد، و لكن حصل تطور ملحوظ ببيعي تسع قطع و أنهيت الشهر الأول بمنحنى تصاعدي. لا يمكن أن اصف لذة أن تحصل على مالك من عرق جبينك ، إنها سعادة تنسيك كل ما مررت به من صعوبات….
في الشهر الثاني اصبح العمل افضل بكثير، لقد عودت نفسي على جذب الزبائن بمجرد نظري إليهم و ترحيبي بهم، الأمر كله يتعلق بمهارات التواصل، إنها مفتاحي في كل بيعة أتمها ، فبقدر قدرتك على التواصل مع الزبون و التفاهم معه و إقناعه (ليس بالكذب!) و لكن بإظهار أجمل ما في القطعة و أكثر ما يليق به، بقدر ما ستنجح بهذا العمل.
بعد استئناف الدراسة عانيت كثيراً من التوفيق بين دراستي و عملي و اضطررت إلى أخذ الكثير من الإجازات ، لكن صاحب المحل كان متعاون جدا بهذا الجانب و حاولت جاهدة أن لا أركن على تعاونه و أن أعمل كما يجب.
استمريت بالعمل عامين و من ثم كنت مجبرة على تركه على مضض بسبب دراستي التي لم تكن بأفضل أحاولها في تلك الفترة، و كنت قد بدأت بالتدريب في المستشفى فكان التوفيق بين كل هذا أمر اشبه بالمستحيل.
ميزات العمل
في الواقع هناك كثير من الميزات للعمل كبائع في محل تجزئة، حتى أنني أحيانا كنت احب قضاء الوقت في العمل اكثر من الجامعة أو المنزل ، سأذكر اهمها هنا :
١- تحسين قدرتك على التواصل:
في العمل كبائع و لفترة جيدة ستكون مجبر على الحديث مع الآخرين بشكل لائق ، و ستزيد قدرتك على الإقناع و ستتحسن قدرتك على فهم الآخرين و طريقة تفكيرهم و عدم الإكتفاء بمظاهرهم للحكم عليهم.
٢- تغذية راجعة مباشرة:
إن المقدرة على معرفة رأي الزبون بشكل مباشر هي ميزة رائعة ، فمن طريقة نظره للقطعة و مدى استمتاعه بالتجربة و الوقت الذي يقضيه في المحل، و حتى إن البعض يدخل ليشتري قطعة لمناسبة معينة و يخرج بمجموعة ملابس. هذا يمكنك من تقييم نفسك بشكل مستمر و زيادة المبيعات.
٣- كسب العميل:
عند العمل كبائع تجزئة توقع رؤية الزبون ذاته عدة مرات، الأمر يعتمد على مدى قدرتك على جذبه و التأثير فيه لتصبح بائعه المفضل ، و هذا يساعدك على فهم احتياجاته و ذوقه فلن تجد صعوبة أو تبذل جهداً في جمعه مع ما يناسبه.
٤- الحوافز:
كان الراتب الذي تقاضيته جيداً و كان يزيد كل نصف سنة تقريبا فقد بدأت ب ٣٠٠ دينار أردني أي ما يقارب ٤٣٠ دولار أمريكي ، و انتهيت ب ٤٥٠ دينار أردني (٦٤٠ دولار أمريكي) ، و كنت أتقاضى حوافز كثير خصوصا عند ارتفاع المبيعات بشكل ملحوظ.
سلبيات العمل بالتجزئة
١- الاحتيال:
لقد عانيت من هذا كثيرا في بداية مسيرتي و كان اتفاقي مع صاحب المحل أن ادفع تعويض كل ما ينقص من بضاعة ، في الواقع تعرضت للإحتيال خمس مرات و في إحداها كان قد سرق ملابس تعادل نصف راتبي الشهري و لكن دفعت جزء منها فقط.
٢- تعدد الاذواق:
عندما تعمل في محل ملابس يعني أنك سوف تقابل مئات المشترين أسبوعيا و هم يختلفون في أذواقهم و رغباتهم ، لا يوجد قاعدة معينة تسير على خطاها حتى و ان كان المعظم يفضل قطع معينة، ستجد أن هذا لن يستمر دائما.
٣- تعدد المهام:
قد لا ينطبق هذا على جميع محال البيع بالتجزئة ، لكن وظيفتي لم تكن تقتصر على التعامل مع الزبائن و بيعهم، بل كان علي أن أحاسبهم بعد الانتهاء ، و أهتم بترتيب القطع و بمظهر المحل و نظافته أحيانا.
٤- الكثير من الجهد:
أن تعمل كبائع تجزئة ليس كأن تجلس وراء مكتبك بشكل مدلل طوال اليوم، فالزبون لن يأتي إليك على طبق من ذهب، عليك أن تجذبه بهيئتك و هيئة المحل و من ثم تدخل في نقاش مطول حول القطع و قد تطلب سيدة أن تريها كل قطع المحل و لا تشري شيء! و عليك ان تتقبل هذا بصدر رحب و ابتسامة عريضة.
نصائح من تجربتي
في الواقع عليك ان تقرأ هذا الجزء بعناية فائقة فهو يشكل خلاصة تجربتي و التي أرجو أن تكون قيمة لكل من يقرأها .
١- المظهر:
حسناً، نحن متفقين أن المظهر لا يعكس قدراتك أو منتجات المحل، و لكن المنافسة الشرسة في الأسواق تجعل منها أمراً جوهرياً ، عليك أن تقنع عين الزبون بالدخول، و هذه أول خطى النجاح.
٢- التفاوض:
مهما حاولت أن تقنع الزبائن بأن الاسعار ثابتة فستجد حتما أكثر من نصفهم يفاوضونك على السعر على أقل تقدير، و هنا عليك أن تكون ذكي جدا و تحاول أن تقنع الزبون بأنه هو الكاسب الأكبر ، في بعض الاحيان كنت مضطرة إلى رفع السعر بشكل قليل جداً بحيث ابقي مجالاً للتفاوض و تخرج السيدة سعيدة بقدرتها على التفاوض و الإقناع.
٣- الإبتسامة:
قد يبدو هذا سخيفاً قليلاً للبعض ، و لكنه تعويذتي السحرية فمهما كنت أعاني من ضغوط الدراسة و العمل أو أي شيء آخر ، كنت دائماً أحاول طبع ابتسامة على وجهي و أحاول أن تكون طبيعية بالقدر الذي يحدث التأثير الإيجابي في المشتري ، تذكر دائماً: ليس ذنب الزبون مشاكلك، و ضغوطاتك يمكنك حلها بعد العمل.
٤- الزبون ليس على حق دائما:
نعم! إن أكثر المبادئ التي أمقتها هي أن “الزبون دائماً على حق”، ستجد في عملك كثيراً من المشاكل فقد يعود زبون إليك يحمل القطعة التي اشتراها مدعيا بأنك غششته او استغللته ، و عليك أن تعتمد هنا على تقييم الموقف و ليس على خرافات أحقية المشتري ، اذا كنت المخطئ اعتذر و عوضه، و اذا لم تكن كذلك دافع عن حقك و حاول أن تحل الخلاف بهدوء و عقلانية.
٥- دع الزبون يشتري بنفسه:
قد يظن البعض أن مساعدة العميل في الاختيار تعني أن تختار له الأفضل، و لكن المهمة ليست بأن يخرج بأكثر ما يناسبه، بل يخرج بأكثر ما يجعله سعيداً. و صحيح أن قطع الملابس قد تليق بشخص و لا تليق بآخر، و لكنها أيضاً تعتمد على الأذواق كثيراً، فلا تقوم بالشراء عن الزبون، دعه يفعل ذلك و ساعده.
٦- لا تبالغ بمدح القطع:
إياك أن تبالغ في وصف القطعة للعميل و مدحها، مهما كنت بليغاً و شاعراً لن تستطيع خداع عينيه و سيشعر و كأنك تحاول خداعه أو التلاعب به ، لا تثرثر كثيرا في محاولات الإقناع و كأنك تقدم عرض زواج، تحل بالهدوء و تحدث عند الحاجة لحديثك فقط.
و في النهاية، كانت هذه تجربتي … أتمنى أن تكون مفيدة لمن يبحث عن مصادر أخرى للدخل. من جد وجد، و من زرع حصد…
اضف تعليق