بقلم هبه الحافي
عندما يجتاحُ الفضولُ قلبك و عقلك.. عندما تتخذُ من التصميم رفيقاً لدربك و صديقاً لمسيرتك فإنك حتماً ستصل إلى مرادك.
اللغة ليست مجرد حروفٍ و كلمات، ليست مجرد قواعد و جمل بل إنها نافذةُ العين على الشعوب، يستطيع الإنسان من خلالها أن يتعمق و يتغلغل في التراث و التاريخ و يستمتع بما طاب له من المواد الأدبيّة بلغتها الأم و من خلالها يستطيع أن يتواصل مع الأفراد و بلغتهم.
و هل من متعةٍ تفوق ذلك؟!
رغم دراستي للطبّ البشريّ في جامعة تشرين في اللاذقيّة، و على الرغم من كون الاختصاص الذي أدرسه علميّاً بحتاً فإنني و منذ صغري وجدت الشغف في الآداب و الفنون و أحببتُ الشّعر و النثر و القصيدة. و من بين اهتماماتي كان تعلّم اللغات الأجنبيّة بعد أن أتقنتُ اللغةَ العربيّة و أحرزت مراتب عالية في العديد من المسابقات التي أُجريت في بلدي سوريا.
و كما يعلم الجميع فإن اللغة الإنكليزيّة أصبحتِ الآن من أهم اللغات في العالم و يعتبرها الكثيرون لغة العالم و من ذلك المنحى فقد توجهت لتعلُّمها و إتقانها و تمكنتُ بعد سنوات عديدة من إتقانها كما أتقن العربية.
و لكنّ المتعة و السعادة التي جنيتها من تعلُّمها دفعتني للغوص في بحار اللغات الأخرى كالفرنسية و الإيطالية و من ثم الألمانية و التي تعد لغة صعبة نسبياً و تمكنت من الحفاظ على مستوىً متوسط في هذه اللغات الثلاث التي لا أزال أتعلمها و أطمحُ للوصول إلى مستوى جيد فيها.
و من بين اللغات التي عشقتها و كان بي شغف كبير لتعلمها ..هي اللغة اليابانية… و إليكم قصتي مع هذه اللغة الجميلة.

تجربتي مع اللغة اليابانية
بعيداً عن المقدمات دعوني أروي لكم قصتي مع هذه اللغة و كيف وقعت في حبها و بدأت بتعلمها.
لعل الكثير منا يسمع اليوم عن براعة سكان دولة اليابان. و عن مدى تقدمهم في العديد من المجالات كالصناعة و الفنون و لعل معظمنا يعي مدى تمتع الغالبية من سكان ذلك الأرخبيل الجميل بمواهب عظيمة و لا سيما في مجال الرسم. و من هنا بدأت رحلتي..
تشتهر اليابان بتصدرها العالم في مجال القصص المصورة أو ما يسمى المانغا و التي أعتقد بأن أغلبكم قد سمع بها أو يمكن أن تكون أنت من متابعيها. بكلا الحالتين فإن ذلك الفن يتطلب موهبة كبيرة جداً ألا و هي الرسم و القدرة على الكتابة الروائية القصصية و تنسيق الأفكار.
وجدت نفسي غارقة في دوامة من الاحترام و الإعجاب و تلك الدوامة بدأت تكبر يوماً بعد يوم و في كل يوم ازداد حبي لليابان، شعبها، تراثها و تقاليدها. ووجدت نفسي هنا و هناك أقرأ و أطالع عن تاريخها و جغرافيتها و أستمتع بالمانغا التي يعمل عليها الكتاب اليابانيون بكل دأب و جد.
و بالطبع فإن تلك المانغا أو القصص المصورة تحتاج للترجمة من اليابانية إلى باقي اللغات و كم تمنيت أن أقرأ تلك القصص بلغتها الأم و ذلك بكوني شخص يحبذ دائماً الاطلاع على المادة الأدبية بلغتها الأم و ليس المواد المترجمة من هناك ولدت فكرة تعلم اللغة الأم لذلك البلد و هي اليابانية و ذلك لهدفين واضحين الأول هو أن أتمكن من الاطّلاع على الثقافة اليابانية من دون اللجوء إلى المواد المترجمة و الثاني هو بقصد السفر إلى ذلك المكان الجميل و التواصل مع السكان الأصليين بلغتهم الأم و لاسيما بأن القلة القليلة منهم تجيد اللغة الإنجليزية.
اليابان هي جنة بحد ذاتها لما تتمتع به من الاحتفالات السنوية إلى أشجار الساكورا الجميلة عدا عن المناظر الخلابة و المعارض الرّائعة.

لمحة عن اللغة اليابانيّة
تتمتع اللغة اليابانية بأسلوب فريد و لحن جميل. و إن كانت تعد من اللغات الصعبة نظراً لوجود ثلاث طرق للكتابة فيها ألا و هي:
١- الهيراغانا: هي الطريقة التي ستجد أن الجميع يستطيع الكتابة بها باليابان (على عكس الكانجي).
٢- الكانجي: يجد اليابانيون نفسهم صعوبة في تعلمها و هي عملياً عبارة عن رموز ذات معنى أو characters و ليس أحرف. و يمكننا القول بأنها استخدام الأحرف الصينية في اللغة اليابانية.
٣- الكاتاكانا: تستخدم لكتابة الكلمات الأجنبية التي دخلت إلى اللغة اليابانية كأسماء بعض الأشخاص مثلاً..
إليكم مثالاً بسيطاً عن الفرق بين الكانجي و الهيراغانا:
أنا تعني واتاشي و يمكن كتابتها بالكانجي فقط كما يلي: 私
أما بالهيراغانا فتكتب بالحروف: わはし
و لهذا تعتمد أغلب الكتب و الجرائد على كتابة أحرف الهيراغانا فوق الكانجي بخط صغير و ذلك لتسهيل القراءة على عامة الشعب.

المصادر التي اعتمدتها في الدراسة و التعلم
لعلّ انتقاءك للغة فريدة سيجعل من هذا الجانب من أكثر الجوانب تحدّياً.
ففي البداية بحثت في منطقتي عن معاهد أو مدرسين يقومون بتعليم اليابانية و لكن لم أجد أبداً حتى إن البعض استغرب و قال لي حرفياً : ” شو بدك بهالشغلة !! ”
و لكن بالطبع لم يُفتر ذلك من عزيمتي أبداً . لاسيما أننا نعيش الآن في عالم الانترنت و الحداثة فكل مشكلة لها حل!
و من ذلك المنطلق بدأت بالبحث من خلال قروبات الانمي و المانغا التي تضم الكثير من الأشخاص المهتمين بالثقافة اليابانية لعلي أجد شخصاً يساعدني في إيجاد مصادر لتعلم اللغة…
و بالفعل ما إن طرحت السؤال على أحد القروبات حتى وجدت أكثر من شخص للمساعدة و هؤلاء وجهوني إلى قناة على اليوتيوب اسمها 101 japanese pod.
و هناك وجدت المنفعة الكبيرة حيث استطعت من خلال المتابعة اليومية مع المدرِّسة أن أصل لمستوى جيد في اللغة و أن أطلع على الكثير من المصطلحات و الكلمات.
و لا بد من الإشارة إلى لفتة جميلة و هي أن القناة تعطيك رابط الدخول و التسجيل في الموقع
و عند التسجيل يرسل لك الموقع في كل يوم كلمة جديدة عبر الإيميل!
لاسيما أن اللغة هي نتاج تراكم الخبرات و المفردات فإن تمكنت من إتقان مجرد كلمة واحدة في كل يوم فكر بحصيلتك اللغوية بعد شهر مثلاً! أو بعد عام ! إنك حتماً ستصل إلى مستوى جيد بوقت قصير و جهد قليل.
من المصادر الأخرى التي اعتمدتها في تعلم اللغة اليابانية هي بعض التطبيقات على غوغل
ستور. و التي تعتمد أسلوباً طريفاً كما يتعلم الأطفال حروف اللغة للمرة الأولى حيث تقوم أنت من خلالها برسم الحرف المطابق للصوت! و في كل جولة هناك إعادة للأحرف التي تمت كتابتها بشكل خاطئ!
من هذه التطبيقات japanese alphabet writing.
و تطبيقات أخرى للترجمة بمجرد كتابة كلمة japanese في متجر غوغل.
و هكذا يوماً بعد يوم وجدت نفسي متقنة للكثير من المفردات و الجمل و بدأت بتعلم المحادثات الصغيرة ثمّ الطويلة.
و طبعاً لا بدّ أن أضيف بأنني أشاهد حلقات الانمي و الدراما اليابانية بلغتها الأم و أستمع إلى الكثير من الأغاني اليابانية و الفيديوهات التي تتحدث عن مشاكل اليابان المحلية باللغة اليابانية و ذلك كان له فائدة كبيرة جداً على إتقان اللحن و مخارج الحروف و لفظ الكلمات الصحيح. و هو أمر في غاية المتعة أن تجد نفسك تصعد سلم اللغة درجة بعد درجة.
نصائحي لمن يريد تعلم لغة جديدة عامة و اليابانية خاصة
أولاً الصبر.
لعلّ الصّبر هو أهم مفاتيح النّجاح في كلّ المجالات و أنا أريد أن أشدد عليه في ناحية تعلم لغة جديدة. إذ إنه في البداية لا بد أن تواجه بعض الصعوبات و التحديات ، هذا أمر طبيعي و لكن التحدي الحقيقي هو ألّا تستسلم أبدا و ألا تفكر أبدا بأن تتراجع أو تفتر عزيمتك لأن اللغة ليس مجرد صفحة أو صفحتين إنما هي نتيجة ما تعلمته خلال أشهر أو ربما سنوات لتستطيع في النهاية أن تفهم القواعد و تحفظ المفردات بدرجة كافية لتكوين جملة و من ثم فقرة.
ثانياً ..مارس اللغة منذ اليوم الأول.
قد يجد البعض هذا الأمر مستحيلا أو حتى غريباً. قد يقول لي البعض كيف سأستخدم اللغة و أنا لا أعرف إلا بعض الكلمات ! و جوابي على ذلك هو أن تستخدم ما تعلمته من كلمات منذ البدايه. حاول أن تشكل جملاً منذ بداية تعلمك للغة لأنك بذلك تنبه عقلك و تنشطه و تضمن لنفسك عدم نسيان الكلمات التي تعلمتها.
ثالثاً ..اربط الكلمات بشيء مألوف أو محبب أو استخدمها ضمن صياغة أو جملة معروفة بالنسبة إليك.
و ذلك لأن حفظ كلمات متفرقة يستغرق وقتاً أطول بكثير من حفظ جملة ذات معنى. كما أن المعنى يجعلك تستذكر الكلمات بطريقة أسرع بكثير.
رابعاً .. حاول أن تجد زميلاً أو شريكاً في تعلم اللغة.
إن هذه النقطة مهمة جداً في مجال تعلم لغة جديدة. إذ إن مهارات التحدث و الاستماع
تعتمد بشكل كبير على المحادثات بين الأفراد. حاول أن تجد شخصاً أو مجموعة ممن يتعلمون نفس اللغة التي تتعلمها و تبادل معهم الحوارات و الأحاديث و درّب عقلك على الاستماع بشكل جيد للإجابة بشكل جيد. إن هذا سيفيدك بشكل كبير حتى و إن كنتم في المراحل الأولى من التعلم.
خامساً تحدث لغتك كل يوم.
طلاقتك في تحدث لغة معينة هي مقدار تواصلك مع تلك اللغة. لا تسمح لأي ظرف بأن يترك فجوة بينك و بين لغتك. استعمل لغتك الجديدة كل يوم و لو لمقدار صغير من الوقت. لأن انقطاع التواصل مع اللغة حتى و إن كان لفترة وجيزه له تأثيرات سلبية جداً على مستواك فيها. ( اسأل مجرب !! )
سادساً لا تقنط …ابحث و سوف تجد.
إن كنت حقاً في شغف لتعلّم شيء ما فأنا أؤكد لك بأنك حتماً ستجد من يساعدك في الوصول إلى مبتغاك. كل ما عليك هو أن تواصل البحث. و في هذا العصر كل داء له دواء ! فإن لم تجد معلماً أو مدرساً في منطقتك فلا بد أن تجد على الانترنت. كما أن بعض المواقع توفر لك نصوصاً و أسئلة اختبار كثيرة بشكل مجاني أو بقيمة مالية زهيدة مقارنة بالجهد المبذول لإنجاز تلك المصادر.
سابعا ..ليس هنالك وقت مناسب لتعلم اللغة. الآن هو الوقت المناسب.
لا تنتظر حتى يحين الوقت المناسب. بل ابدأ الآن. قد نواجه في حياتنا مشاغل كثيرة تدفعنا لتأجيل تعلم لغة معينة إلى وقت لاحق و لكن الأفضل هو أن تبدأ بتخصيص بعض الوقت و لو كان قليلاً جداً لتبدأ بالتعلم لأن البداية في وقت أبكر هي الأفضل.
مزايا تعلم لغة جديدة
كما أسلفت، إنّ اللغة هي نافذة العين على العالم و بالإضافة للمتعة و الأشياء الجديدة التي
ستتعلمها فإن هنالك الكثير من الفوائد الأخرى لإتقان و تعلم لغة جديدة :
١- يمكنك كسب دخل شهري عن طريق تعليم و تدريس تلك اللغة ! سواءً عبر الانترنت أو من خلال العمل في المؤسسات التربوية و التعليمية و المعاهد في بلدك. تخيل فرص العمل الجديدة اللتي ستتاح أمامك!
٢- بعد تعلم لغة معينة فإن فرص متابعة الدراسة أو العمل في ذلك البلد الذي أتقنت لغته ستفتح أمامك و هنا قد تقوم بخطوة تغير فيها مجرى حياتك تماماً و تتفاجئ بالأفق التي تتسع لك.
٣- إن كنت تتعلم لغة صعبة أو تعلمها غير شائع فعندها تستطيع أن تتواصل مع الأشخاص المهتمين بها و تبدأ بمشروع صغير ألا و هو البداية بتعليم تلك اللغة. فمثلاً ستجد خمسين مدرسٍ للغة الإنكليزية مقابل مدرس واحد إن وجد للغة اليابانية و من هنا تأتي فرصتك لأن قيمتك تنبع من تفردك و إن كنت متقناً لعملك فإن حياتك سوف تتغير تماماً.
٤- التغيير هو الشيء الوحيد الثابت في هذا الحياة و هذا شيء جربته و أجربه في كل يوم. كل فكرة أو خطوة تُقدم عليها فإنها قد تكون بداية لقصة جديدة و كذا عندما تتعلم لغة جديدة. ستلاحظ بأن خيطاً من السعادة و التغيير سيجري في حياتك و قد تصادف الكثير من الأمور الجميلة التي لولا إقدامك على خطوة تعلم لغة معينة ما كانت ستحدث. و بالنسبة إلي فإن تعلم هذه اللغة جعلني ألتقي بالكثير من الأشخاص الذين كان لهم أثر كبير و إيجابي على حياتي و هذه منفعة تفوق جميع المنافع الأخرى في نظري.
٥- ما تفعله اليوم سوف يؤثر في حياتك إلى الأبد و الحرف الذي تتعلمه اليوم أؤكد لك أنه سيأتي يوم و تحتاجه. التعلم هو العمل الوحيد الي تقوم به و لا يضيع سدىً. و لذلك لا تفكر في المنافع التي قد تجنيها من تعلم لغة ما بل ابدأ بتعلمها لكنك حتماً ستنتفع منها أكثر مما تتوقع.
مع أطيب التمنيات و التحيات للمجدين الذين لا يستطيع عائقٌ أن يقف حائلاً بينهم و بين التقدم و التعلم كل يوم.
اضف تعليق