بقلم سارة حمزة
العمل والحياة المهنية هما أحد أهم جوانب الحياة. فكل إنسان منا يحتاج أن يعمل من أجل كسب الرزق، ومن من أجل أن يشعر بقيمته وفائدته بالحياة، وبأن له دور في المجتمع. فلكل منا دور مهم وسبب خلقه الله من أجله، ومهمتنا في الحياة هي أن نبحث عن هذا الدور ونعي ذلك السبب.
تبدأ أول خطوة في حياتنا المهنية ومستقبلنا عند إختيار مجال الدراسة بعد المرحلة الثانوية. تختلف أسباب الإختيار، وأيا كان سبب إختيارك فهناك إحتمالين: إما أن تحب مجالك وتنجح وتتفوق فيه، وإما أن تتخرج وتعمل ثم تكتشف بعد عدة سنوات أنك لا ترغب في مزاولة تلك المهنة بعد الآن. وهنا تصل لمفترق طرق؛ هل تكمل أم تنسحب؟
أنا شخصيا مررت بهذه التجربة. فقد درست الصيدلة بناءً على رغبتي، وأحببت الدراسة كثيرا على الرغم من صعوبتها. ولكن بعد التخرج أصابني الواقع بالإحباط والملل. لم أجد نفسي في أي من الوظائف التي عملت بها كصيدلانية. وظللت كذلك ١٠ سنوات، حتى جاءت اللحظة التي أدركت فيها أنني لا أريد أن أعمل في هذه المهنة بعد الآن.
وسألت نفسي: هل سألقي وراء ظهري كل سنين المذاكرة والتعب والعمل وأبدأ من الصفر في مجال جديد؟ قد تبدو الفكرة صعبة ومخيفة بعض الشيء. ولكن طرح سؤال آخر نفسه: هل أنا مجبرة على أن أظل تعيسة في مهنة ما لمجرد أنني قمت بإختيار كلية ماعندما كنت في السابعة عشر من العمر؟ وكانت الإجابة البسيطة من وجهة نظري هي:
أن الحياة قصيرة جدا لنمضي وقتنا فيها ونحن نفعل أشياء لا نحبها، بل وقد تجلب لنا التعاسة أيضا. ولذلك قررت أن أترك الصيدلة، وأبحث عن عمل آخر يناسب ميولي وشخصيتي. ومن خلال تجربتي، إليكم بعض النصائح التي أنقلها لكل من يواجه تلك المشكلة.
تأكد من رغبتك
أولا يجب عليك عزيزي القارئ أن تدرك حقيقة شعورك؛ فهل هو شعور الملل العادي الذي قد يصيب أي شخص في عمله؟ فهذا عادة ما يكون مؤقت ومن ثم تعود الى حالتك الطبيعية وتندمج في عملك كالسابق.
أم أنك تشعر بأنك لم تعد تستطيع القيام بهذا العمل. تستيقظ يوميا وأنت ناقم على عملك وغير راضي عنه ولا تريد الذهاب أليه. تعد الساعات في العمل، وتنتظر موعد الإنصراف بفارغ الصبر. عملك أصبح بالنسبة لك شيء روتيني للغاية ولا يوجد به اي مساحة للابداع او التطور. إذا كنت تعاني من هذه المشاعر، فربما قد حان الوقت لتقوم بالتغيير.
لا تترك عملك فوراً
عندما أقول تغيير فأنا لا أقصد التغيير الفوري الكامل؛ فيجب عليك أن تتأنى وتفكر جيدا. ماذا تريد أن تفعل و ما تحب أن تعمل؟ وقبل أن تجد إجابات لتلك الاسئلة لا تترك وظيفتك. تحمل قليلا، فأنت بالتأكيد مازلت بحاجة إلى المال، خاصة إذا كنت مسئول عن أسرة. يمكنك البدء في عملك الجديد إلى جانب عملك الحالي، حتى إذا شعرت ببعض من الأمان المادي والإستقرار فيه، أمكنك حينها ترك الوظيفة الأولى.
اكتشف نفسك
إجلس مع نفسك وأكتب قائمة بكل المجالات التي من الممكن أن تستهويك وتبرع بها. بالنسبة للبعض قد تكون تلك القائمة غير ضرورية؛ فهم يعرفون تماما ماذا يريدون. أما إذا كنت لا تدري بعد ما تريد فعله فأنصحك بكتابة قائمة، ثم تجربة كل بند في تلك القائمة حتى تكتشف نفسك، وما هو الشيء الذي تجيده وتحبه. قد يكون له علاقة بمجال دراستك، وقد يكون شيئا مختلفا تماما. المهم أن يكون شيئا تحبه وتستطيع أن تتعلمه وتجيده.
طور مهاراتك
بعض المجالات قد تتطلب حضور دورات أو الحصول على شهادة معينة أو بعض التدريب كي تستطيع العمل بها. حاول أن تطور مهاراتك وقدراتك بما يتناسب مع العمل الذي تود القيام به، وخصوصا إذا كان ذلك العمل بعيدا عن مجال دراستك وتخصصك، فيجب عليك أن تكون مستعدا لإستثمار بعض من الوقت والمجهود من أجل الوصول إلى هدفك.
ادرس الموضوع جيداً
فكر كيف ستحول شغفك أو هوايتك إلى وظيفة تحقق منها ربح معقول. فقبل أن تترك وظيفتك الحالية، لابد أن يكون لديك على الاقل رؤية واضحة لما تنوي القيام به والخطوات التي ستتبعها، وخاصةً إذا كنت تنوي الإتجاه إلى العمل الحر أو ريادة الاعمال؛ فهذه المجالات تتطلب تخطيط ودراسة جيدة.
إقناع من حولك
بعض الناس ممن يريدون تغيير مجال عملهم قد تقابلهم مشكلة إقناع من حولهم بتلك الخطوة، كالأهل مثلا. فالأهل على سبيل المثال يحلمون أن يصبح إبنهم طبيبا، ولا يستطيعون تحمل فكرة أن يتنازل إبنهم عن لقب “دكتور” كي يتجه لمهنة أخرى. ولكن في رأيي إن المهن ليست فقط ألقاب. مهنة الطب وغيرها من المهن هي جميعها مهن نبيلة ورائعة. ولكنها ببساطة ليست مناسبة للجميع. ما فائدة اللقب إذا كان صاحبه لا يجد نفسه في تلك المهنة ولا يشعر بهويته وهو يمارسها ويشعر بأنها أصبحت عبئا ثقيلا عليه؟
واجه هواجسك
قد تكون أنت أيضا متردد في ترك وظيفتك التي أمضيت بها سنوات، وأصبح لديك خبرة كبيرة بها. ربما تكون قد وصلت الى منصب مهم فيها، وتخاف أن تندم إن تركتها، أو أن تفتقد مكتبك ومنصبك وإحترام زملاءك وتقديرهم لك في مكان عملك.
وهنا أنصحك بالعودة مرة أخرى لأول نقطة في هذا المقال، وهي التأكد من شعور الملل الذي ينتابك؛ هل هو مجرد شعور عابر، ام انك فعلا ترغب في ترك عملك؟ إذا كان جوابك هو الأخير، فيجب أن تدرك أن سعادتك وراحتك النفسية أهم من أي منصب أو مكانة وظيفية. فما دمت ستقوم بعمل شريف ومفيد لك وللآخرين، فما المشكلة؟ وسوف تحظى بإحترام الناس وتقديرهم طالما أنك لا تقوم بعمل مشين لا سمح الله، أنت فقط إخترت طريقا مختلف ومناسب لك أكثر، ولا عيب في ذلك.
إلجأ للمشورة والمساعدة
إذا كنت لا تستطيع أن تحدد بالضبط ما هو هدفك وماذا تريد أن تعمل بعد ترك وظيفتك، يمكنك اللجوء إلى مدرب مختص (life coach). وهذا شخص متخصص يمكنه مساعدتك عن طريق إختبارات للشخصية وبعض الأسئلة عن شخصيتك وصفاتك وميولك، في تحديد المسار المهني الذي يمكن أن يناسبك. كما أنه ببحث بسيط على الإنترنت يمكنك أن تجد بعض من هذه الإختبارات متاحة مجانا، ويمكنك تجربتها بنفسك والحصول على النتائج.
إذا إتبعت هذه الخطوات بصبر وتأني، فسوف تصل إلى هدفك يوم ما بمشيئة الله. وما دمت تسعى إلى إشباع طموحك، فسوف حتما تشعر بالرضا عن نفسك.
وأخيرا، التغيير ليس مخيف؛ فهو فقط يحتاج إلى التخطيط والتفكير مليا، وقد ينتج عن ذلك أفضل القرارات بحياتنا. ولكن المخيف حقا هو أن يمضي بنا العمر دون أن نعيشه حقا، ودون أن ندري لماذا نحن هنا.
اضف تعليق