بقلم منه قنديل (باحثة دكتوراه في علم النفس)
هل شعرت من قبل أنك تعاني من اضطراب نفسي؟
هل شعرت من قبل بحالةٍ من اللامبالاة وفقدان الاهتمام بعملك، وأهلك، وكل ماكنت تهتم به/ بهم من قبل؟
هل عانيت من الكوابيس الليلية المزعجة و لم يهنأ لك نوم بسببها؟
هل فكرت في الانتحار؟ أو أقدمت عليه من قبل؟
هل شعرت أن لديك حالة شديدة من القلق والذعر لحدٍ يجعل من الصعب السيطرة عليها؟
هل لاحظت تغير في شهيتك فأصبحت تأكل كثيرا أو أحجمت عن تناول الطعام بسبب غير مبرر؟
هل أُصبت بآلام جسدية أو معوية وخضعت إلى العديد من الفحوصات، حيث أخبرك الأطباء بأن آلامك ليس لها أسباب عضوية؟
إذًا هل بادرت بزيارة طبيب أو معالج نفسي عندما شعرت بشيء من هذه الأعراض، أو أعراض أخرى مشابهة واستمرت معك فترة طويلة؟ أم حاولت تجاهلها وقمعها؟
اذا كنت من هؤلاء الذين يحاولون كبت مشكلاتهم النفسية وإخفائها فأنت إذن واقع تحت تأثير ما يسمى “وصمة المرض النفسي”
ماهي وصمة المرض النفسي؟ وما هو تأثيرها؟ وكيف نتعامل معها؟
معنى الوصمة
عرفت منظمة الصحة العالمية الوصمة بأنها علامة خزي أو عار تلصق بالأفراد من خلال رفض الآخرين لهم، وهي تسبب الضرر الشديد، والتمييز والمضايقة لهم، وقد ينتج عنها عزلة الفرد.
فعلى الرغم من التطور والتقدم الكبير الذي تشهده مجتمعاتنا العربية في شتى المجالات إلا أننا مازلنا نرى العديد من السلوكيات المهددة والغير مريحة تجاه المرض النفسي… فعلى سبيل المثال لا الحصر مازلنا نرى الأب الذي صال وجال سعيًا وراء الدجالين والمشعوذين لاعتقاده أن ابنته متلبسة بالجن، وعندما تسأله عن سبب هذا الاعتقاد يخبرك بأن ابنته تعزُف عن التحدث مع زوجها منذ فترة طويلة وذلك أدعى للشك- من وجهة نظره- أن” حماتها عامله لها عمل”!
ومازلنا نرى شابًا في مقتبل عمره يزور معالجه النفسي سرًا حتى لا تُلصق به وصمة الجنون!
حتى أنني رأيت الشابة حديثة الزواج التي تصحبها أمها خلسةً إلى جلسات العلاج النفسي، والتي رفضت أن تُحضر الزوج لكي أتحدث معه، بل أنها نهرتني بشدة قائلةً ” انتي عاوزه بنتي تتطلق”!
وبديهيًا أن الحالات الثلاث لم تكمل علاجها خوفًا من وصمة العار التي ستلحق بهم إذا ما تم اكتشاف أمرهم ألا وهو زيارة المعالج النفسي.
ماهي آثار الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي؟
على الرغم مما سبق لا نستطيع أن نلقي كل اللوم على هؤلاء فمن المؤكد أنهم قد رأوا أو سمعوا أن من يعاني من مشكلات نفسية يصبح مرفوض ومنبوذ من المجتمع.. ففي احدى الأبحاث التي أجريت على 778 شخص ممن تم وصمهم بالمرض النفسي وُجد أن 47% منهم تمت مضايقتهم من قبل الجمهور، و14% تم الهجوم عليهم ومحاولة ضربهم، و34% تم طردهم من العمل أو اجبروا على الاستقالة من عملهم، بينما 26% تركوا بيوتهم ورحلوا إلى بيوت أخرى بسبب المضايقة.
وفي بحث آخر أجري على 215 شخص وجد أن 43% من الجمهور أظهروا المرضى النفسيين على أنهم عدائيين بصورة كبيرة كما أكد الجمهور على أنه يُفضل البعد الاجتماعي بينه وبين المرضى النفسيين.
العزوف عن طلب الخدمات النفسية
كما أن وصمة المرض النفسي تجعل المريض وعائلته يلتزمان الصمت ولا يبحثان عن طلب الخدمات النفسية من المتخصصين خوفًا من الحرج، أو لاعتقادهم أنهم لا يحتاجون فعليًا إلى المساعدة، أو لتفضيلهم نَسب ما يعانون من أعراض إلى الحسد والمس والسحر، وبالتالي الذهاب إلى العرافين والمشعوذين، فتتفاقم المشكلة لدى هؤلاء المرضى وذويهم، وقد يصل الأمر إلى إقبال هؤلاء المرضى على الانتحار.
الرفض الاجتماعي
فالشخص الموصوم بوصمة اجتماعية تجعله غير مرغوب فيه وتحرمه من التقبل الاجتماعي فيشعر المريض بالدونية، وأنه يحمل صفة سلبية تميزه عن الآخرين، وتحد من تفاعله الاجتماعي وتشعره بالنبذ والعزلة، وقد يعاني عدم التقبل من الأصدقاء وفي بعض الأحيان من الأهل أيضًا.. وما يجعل الأسرة تدير ظهرها لمريضها النفسي ما يُقدم من وسائل الإعلام عن المرضى النفسيين بأنهم شخصيات عدائية وخطيرة، وأنهم مجانين وفاقدي الأهلية، مما يزيد من شعورهم بالخزي والعار والذنب.
على الرغم من أن احدى الدراسات أشارت إلى أن شخصًا من كل خمسة أشخاص وقع في قضية نفسية في فترة معينة من فترات حياته وأن قضايا الصحة النفسية تؤثر على الأفراد في جميع الأعمار والوظائف والمستويات التعليمية، أي أن المرض النفسي ليس كما يقال بأنه نقصًا في الخُلق أو الدين أو ضعفًا في شخصية المريض، كما أنه ليس حكرًا على فئة بعينها.
نصائح
اذا كنت تعاني من مشكلة نفسية وتريد أن تشارك في إزالة وصمة المرض النفسي فقم بالتالي:
١- احرص على طلب الخدمة النفسية
لا تساوي نفسك بمرضك
لا تجعل خوفك من نظرة المجتمع يمنعك من حقك في الحصول على الخدمات النفسية التي تحتاجها، فحصولك على الخدمة المناسبة في الوقت المناسب سيضمن لك عدم تفاقم مشكلتك، ولا تنسى أن المرض النفسي كأي مرض آخر لا يستدعي الشعور بالذنب والخجل، بل يحتاج أن تأخذه بعين الاعتبار، وأن تبحث له عن أفضل السبل لكي تتخلص منه.
٢- ادعم من يعانون من مشكلات نفسية
إذا كان لك صديق يشكو من أعراض نفسية فاستمع إليه وأشعره بمدى تفهمك لمعاناته وقدم له الدعم والنصيحة، وقم بتشجيعه على أن يتخذ القرار بالحصول على العلاج المناسب.
وفي النهاية لا تتردد أن تعبر عن رفضك لوصمة المرض النفسي، وعبر عن محاربتك لها في اللقاءات الأسرية، واجتماعات العمل، وصفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي.. فذلك من شأنه أن يساعد من لا يملكون الشجاعة الكافية أن يقوموا بالشيء ذاته، ويشعر المرضى النفسيين أن هناك من يدعمهم ويشعر بمعاناتهم، وأنه ليس هناك ما يدعو للخجل.
خفف الله معاناتكم ومتعكم بالسلام النفسي والطمأنينة…
اضف تعليق